في ذكرى ميلاد ميخائيل نعيمة.. وقفة في رحاب (يا ابن آدم) والهروب إلى الطبيعة

في ذكرى ميلاد ميخائيل نعيمة.. وقفة في رحاب (يا ابن آدم) والهروب إلى الطبيعة

رابط المقال:
https://www.alquds.co.uk/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D9%8A%D8%AE%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%86%D8%B9%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%88%D9%82%D9%81%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%AD%D8%A7/


ليس بين أدباء المهجر مَن حرِص على تأمل الطبيعة ومناجاتها، واستنطاقها، واستقاء المعارف من الكائنات الحية فيها، واستخلاص الدروس من الظواهر المحيطة بها، والاعتبار بآياتها، كميخائيل نعيمة. فالطبيعة كانت له مصدر إلهامٍ وأفضل معلمٍ وهو القائل: “كل ما في الأرض وفوقها وتحتها معلم عجيب وكتاب عجيب. وما عليك إلاَّ أن تحسن الانتباه والقراءة، وإلاَّ أن تستوعب ولو بعض ما تسمع وما تقرأ. ربَّ نملة تجرجر شعيرة تلقي عليك محاضرات لا تسمع مثلها من أشهر أستاذ في أشهر جامعة. ربَّ شوكة تفرش طريقك برؤي لم تخطر في خيال أشعر الشعراء. ربَّ نسمة عابرة تتلو عليك من الآيات البينات ما لست تقرأ مثله في أروع كتاب خطته يد إنسان.”

حياة العظماء لبلدانهم وللعالم
هي الطبيعة التي كانت لها مكانة سامية في نفوس أدباء المهجر في القارتين الأمريكيتين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وقد انعكس ذلك في كتاباتهم من خلال الهروب إلى الطبيعة الذي يعدّ من أبرز سمات الأدب المهجري. تتجلّى هذه النزعة في كتاب (يا ابن آدم) الذي يعرضه علينا ميخائيل نعيمة في شكل حوار فلسفي بين عالِمٍ يدعى (الشيخ) ويرمز له بحرف (الشين)، سئم الحياة المعقدة في المدينة ففرّ إلى أرض نائية و “أكبر مراسل لأكبر وكالة أخبار في العالم” يدعى (المراسل) ويشير إليه بحرف (الميم)، وهو الرجل الذي يسافر للبحث عنه.
(الشيخ) – كما يصوره لنا الروائي – عبقري ساهم في تطوير سلاح دفاع وهجوم “تطويرا يجعل (من بلاده) سيدة الأرض دون منازع”. وها هو خبر اختفاء هذا العالم العظيم يهز بلاده حتى الأعماق، ويهز العالم برمته حتى أنه تجنّد للبحث عنه ما لا يحصى من رجال التحري ورجال الإعلام في كثير من البلدان. وقد بلغ الأمر مبلغا جعل حكومة بلاده تعرض مكافأة قدرها مليون دولار للذي يدلها عليه حيا أو يعرض دليلا قاطعا على موته. وفي ذلك حكمة، ف “حياة العظماء ليست لهم. إنها لبلادهم أولا، ثم للعالم”


دنيا البشر
لقد استطاع (الشيخ) أن يحقق نجاحا باهرا ومالا كثيرا وشهرة، ليس في بلاده فحسب بل في كامل أنحاء الدنيا بفضل اختراعه العظيم، لكن ذلك لم يكن كافيا ليشعره بالراحة والسعادة والهناء، ما حمله في الأخير على الفرار والاختفاء بعيدا عن دنيا البشر و”همومهم وغمومهم، وشهواتهم ونزواتهم، وسعاياتهم ونكاياتهم، وحروبهم وکروبهم، وعلومهم وفنونهم، وفلسفاتهم ومماحكاتهم”. ضاق ذرع (الشيخ) بكل ذلك وضاق أيضا بما كان يشاهده من حوله من صراعات دينية بين بشر اختلفوا في عبادة الله، وجعلوا من أنفسهم جندا لخدمة الله، وانقسموا واستغرقوا في الخصام والعداء والاقتتال وسفكِ دماء بشر مثلهم إرضاء لله وكسبا لأجره وثوابه وفوزا بحياة أبدية في الجنة التي وعدهم بها. فالهروب من دنيا البشر يعني بالضرورة الابتعاد عنهم وعن “معابدهم وعباداتهم، ومساخرهم وملاهيهم، ومصانعهم ومتاجرهم، وأحقادهم وأمجادهم.”

الهروب إلى الطبيعة
فلا يجد بدا من الفرار إلى رحاب الطبيعة ليحيا “في غابة كثيفة الأشجار والأدغال” حيث يجلس “في كوخ صغير أرضه من تراب، وجدرانه وسقفه من القصب وسَعَف النخيل”. بعيدا عن صخب المدينة وضوضائها، ينشد فيها حياة بسيطة هادئة تغنيه عن دنيا الناس الصاخبة. فلا شيء في الوجود أجمل من السكون: “سحر هي هذه السكينة التي تلفني، والتي تناجيني بملايين الأصوات.” وهروبا من الأزقة الضيقة والشوارع المكتظة والمباني الشاهقة التي تطبع دنيا البشر، ها هو يرتمي في أحضان الطبيعة الشاسعة التي لا تحدها حدود، وينغمس في سحرها الذي لا تقيّده قيود: “أما السحر الأكبر، السحر الذي ما قبله ولا بعده سحر، فهو هذا الفضاء الشاسع، الرهيب، اللامتناهي، الذي يبدو فراغا وما هو بالفراغ، والذي تبدو الكواكب والشموس والمجرات المنثورة في رحابه وكأنها حفنة من حبوب الخردل والعدس والفول وقد نثرتها في بيداء لا أول لها ولا آخر”. وبعيدا عن المدينة والحضارة، ها هو اليوم يحيا في فضاء آخر، بعيداً عن دنيا العلوم والاختراعات والتقدم الذي شعر أنَّ له من المساوئ ما قد يغلب على منافعه.

أسرار لا تُدرك إلاَّ في الطبيعة
في غمرة الحياة السريعة المجهدة، كثيرا ما تغيب عن بال المرء ظواهر بديعة في هذا الوجود. يمر بها ولا يراها، وقد يشاهدها ببصره ولا يراها بوجدانه المثقل بمشاغل الحياة والحسابات. ولا يستطيع الإنسان في واقع الأمر الإحاطة بكنوز الطبيعة وأسرارها إلا بعدما يتخلّص من أغلال المدينة المتطلبة ويرتمي في حضنها وسكونها. من هذه الظواهر الكواكب المحيطة بأرضنا ومنها القمر: “سحر هو القمر يهلّ، ثم يكتمل، ثم ينقص، ثم يمحق، ثم يعيد الكرة شهرا بعد شهر، وعاما تلو عام، وعلى مدى آلاف آلاف الأعوام.” وفي زحمة الحياة المتسارعة، من هم يا ترى هؤلاء الذين نراهم يتساءلون عن حقيقة الشمس وما مرّ وما بقي من حياتها وحجم طاقتها؟ فقد أكدت الأبحاث العلمية أنها في منتصف عمرها وأنه بعد نحو 5 مليارات سنة، سينفد نقودها وتتحول إلى حلقة متوهجة من الغاز والغبار متناثرة بين النجوم، فتنطفئ الحياة في كوكبنا. وما زالت تحترق فلا تبخل علينا بنورها وحرارتها: “سحر هي الشمس التي تلتهب منذ ملايين السنين ولما تحترق. ومن لهيبها نور القمر، والنور في عينك وعيني وفي كل عين، والحرارة في جسمك وجسمي وكل جسم جامد أو حي.”
ومن أعماق الطبيعة على سطح كوكبنا سيمتد خيال هذا الإنسان قطعا إلى فضاء أبعد من الشمس وخارج حدود مجرتنا: “سحر هي الكواكب والشموس الأخرى والمجرات الدائرة في أفلاكها، والتي منها ما يبعد عنّا ملايين السنين الضوئية.”

الهروب من البشر
والإنسان لا يعوذ بالطبيعة من شرّ المدينة وحياة المدينة السريعة المجهدة وضجتها وضوضائها فحسب، بل أيضا من شر البشر وبلائهم: “أن تفرغ من بشاعات الناس عيناك، ومن فحيح شهواتهم أذناك، وأن لا تسعى وراء أي مطمح أرضي يداك ورجلاك، أن تهرب من رأسك هموم المختبرات، ويستريح دماغك من مهاميز الأرقام والمعادلات.” والهروب إلى الطبيعة يجنب الإنسان إثم الخصام والعداء والحقيدة مع بقية البشر: “أن لا يكون لك عدو تتقيه أو تتمنى حذفه من الوجود”.

التحرر من الزمان والمكان
ولا يتأتى الهروب الحقيقي إلى الطبيعة إلاَّ بتحرير الذات من عاملي الزمان والمكان، وليس ذلك بالأمر الهين. فمقدار حب الطبيعة والشعور بها وتقديسها يختلف من فرد إلى آخر، ولن يرتقي إلى أسمى درجات الانصهار في رحاب الطبيعة إلا ذلك الذي يملك قدرة خارقة على التخلص من قيود المدينة والتحرر منها ومما فيها من بشر وعمران ومواصلات وأخبار وأرقام وحسابات وهرج ومرج: “أن تزحل عن كتفيك أثقال المعيشة، أن تعروك غفلة عن الزمان والمكان، فلا تحس زحف الدقائق والساعات، وتفلت من قبضة الأمتار والكيلومترات”.

عش كما تعيش الطيور
هكذا يصور لنا ميخائيل نعيمة في مستهل كتابه (يا ابن آدم) ظاهرة كثرة المعلومات والإجهاد والضغط في المدينة في هذا العصر في ظل وتيرة الحياة السريعة. إنه واقع جديد بات يثقل كاهل الإنسان ويجهد عقله ويكرب نفسه ويحمِّله ما لا طاقة به. وفي زحمة المعلومات المريعة وضغط الحياة السريعة، ما أجمل الفرار إلى أماكن نائية والعيش في كنف الطبيعة، وهو ما تجسده وصفة ميخائيل نعيمة لبني آدم للشفاء من ضغط المدينة، يتردد صداها عاليا اليوم في ذكرى ميلاده: “اترك في الحال كل عمل.. كل شيء.. واذهب إلى بلاد غير مأهولة، وعش كما تعيش الطير والحشرات. لا تقرأ أخبارا، ولا تسمع أخبارا، انس نفسك ولو لسنة!” ميخائيل نعيمة

مولود بن زادي – كاتب جزائري بريطانيا

Quotes about true heroes NHS heroes

True heroes are those who risk their lives to save lives

By author Mouloud Benzadi

#nhs #covid #coronavirus #stayhome #nhsheroes #staysafe #lockdown #keyworkers #thankyou #london #uk #thankyounhs #love #nurse #stayathome #clapforourcarers #healthcare #corona #charity #health #doctor #nurses #rainbow #nhsstaff #savelives #hospital #doctors #socialdistancing #medicine #bhfyp

اقتباسات الوطن الحقيقي بقلم الكاتب مولود بن زادي

“ليس الوطن الحقيقي موطن أهلك وأجدادك ومكان ولادتِك،
وإنما ذلك الذي يوفر لك سبل العيش ويعينك على بناء ذاتِك.”

مولود بن زادي المملكة المتحدة 🇬🇧

#قومية #وطنية

في ظل عصر الصورة هل الأدب في طريق الزوال؟

الأدب في طريق الزوال إن لم يتكيف مع مقتضيات العصر!

أسئلة كثيرة تتردد منذ سنوات طويلة عن مصير الكتاب التقليدي – بما في ذلك المؤلفات الروائية والأدبية المكتوبة – في زمن التكنولوجيا. كثير من الباحثين يرى أن الكتاب الكلاسيكي، شأنه شأن الصحف الورقية وكل المنشورات المطبوعة، يمضي في طريق الزوال ليخلفه الكتاب الإلكتروني. وإن كان هذا التحول يثير مخاوف كثيرين، إلاَّ أنه في واقع الأمر يبدو أمرا طبيعيا، منطقيا، مقبولاً، متوقعا بعد الغزو التكنولوجي. وأي عيب إن انصرف اهتمام الجماهير عن الكتاب التقليدي إلى الكتاب الإلكتروني، وبقيت المحتويات الأدبية والفكرية والعلمية المطبوعة، على قيد الحياة في قالب جديد إلكتروني، يستطيع الوصول إلى كل أنحاء العالم في ظرف ثوان، بما في ذلك الأماكن البعيدة والمعزولة التي لا يبلغها الكتاب الورقي؟!
المثير للقلق في الحقيقة خطر الموت المتربص بالكتاب بكل أصنافه، بثوبه الكلاسيكي والإلكتروني معا، النابع عن سرعة الحياة في هذا العصر والتحول التكنولوجي والرواج المتسارع لثقافة الانترنت واكتساح وسائل التواصل الاجتماعي التي صرفت اهتمام القارئ إلى عالم يوفر مادة غنية وفضاء متفاعلا يستطيع المرء المشاركة في أدواره، فضلا عن خطر (الصورة) التي أخذت أشكالا وألوانا وأبعادا مستفيدة من التطور التكنولوجي، مكتسحة كل مجالات الحياة، تحمل في طياتها خطابا دالا وقدرة فائقة على خطف الأنظار والتأثير المباشر في المتلقي.

وتيرة حياة سريعة
إنّ أعظم خطر يتربص بالكتاب في عصرنا وتيرة الحياة المتسارعة وليس التكنولوجيا في حد ذاتها كما يتصور كثيرون. ففي غمرة الحياة المتسارعة، وجد الإنسان نفسه في صراع دائم ضد الساعة.. صراع يومي مجهد يطبعه تهاطل المعلومات وتراكم الأعمال والواجبات، ما أثقل كاهل الإنسان وجعله يعمل لزمن أطول على حساب إجازته ووقت راحته. وها هي سرعة المواصلات تختصر المسافات وتقرب الدول والقارات وتحول عالمنا إلى قرية صغيرة يتواصل فيها البشر من خلال منابر التواصل الاجتماعي المعروفة بارتفاع حجم المنشورات والتفاعل. وها هي الرسائل النصية القصيرة ورموز الإيموجي تخلف الرسائل المكتوبة الطويلة. وها هي منشورات السوشيال ميديا الترفيهية المتنوعة المرفقة بالصور والفيديوهات تخلف الكتبَ والصحف بكل أصنافها.

الصورة تسرد قصة
والسؤال الملحّ حينئذ: ما سرّ تفوق الصورة والفيديو على النص – بما في ذلك النص الأدبي؟ جملة من العوامل تملي هذا الواقع نذكر منها سهولة استيعاب الصورة مقارنة بالنص، ما يجعلنا نقول بكل ثقة إنّ الصورة من أكبر الأخطار التي تحوم بالكتاب. وقد ترددت عبر التاريخ أقوال متعددة تشيد بأهميتها، من أشهرها عبارة “استخدم الصورة فإنها تساوي ألف كلمة”. ففي عالم سريع الحركة، ما أحوج الإنسان، الذي يعاني من تراكم مشاغل الحياة والإجهاد وضيق الوقت، إلى فضاء يغنيه عن مشقة القراءة، والصورة أجدر بلعب هذا الدور، وكيف لا وهي قادرة على سرد قصة كاملة؟! إنها الصورة التي تلامس كل جوانب الحياة. والإنستغرام، وبنترست، ‏وتمبلر، وسناب شات ليست سوى بعض منصات الشبكات الاجتماعية التي لا غنى لها اليوم عن الصورة.

التحفيز البصري
عامل آخر يساهم في تفوق الصورة على النص (التحفيز البصري) الذي يسمح للدماغ باستهلاك المواد المرئية بسهولة وسرعة أكبر من النصوص. فالإنسان عندما يقوم بقراءة مقالة أو كتاب، عادة ما يحتاج إلى بذل جهد كبير لمعالجة الكلمات ذهنيًا لفهم ما يحاول المؤلف إيصاله إلى المتلقي. ويحتاج إلى معرفة لغة الكتابة، فهو بذلك عاجز عن فهم ما يكتب بلغات أخرى لا يتقنها. وعكس ذلك تماما، يستطيع الإنسان أن يستوعب معنى الصورة دون الحاجة إلى كثير من الشرح مهما كانت اللغة التي يفكر بها ملتقط الصورة أو مصممها. فالإنسان بطبيعته يستجيب بشكل أفضل للمعلومات المرئية مقارنة بالنصوص المكتوبة، ويملك قدرة على استيعاب الصور والفيديوهات بسرعة تفوق سرعة استيعابه النصوص المكتوبة، أو بعبارة أخرى وبلغة الأرقام، نقول إنّ 90٪ من المعلومات المنقولة إلى الدماغ هي معلومات مرئية، وأن المرئيات تتم معالجتها في الدماغ بسرعة تزيد عن 60 ألف مرة سرعة النص!

عملية فك التشفير
والإنسان عندما يقرأ مقطعا من نص ما، تحدث في عقله عملية فك تشفير طويلة ومعقدة إلى حد ما. فهو لا يكتفي بالنظر إلى الأشكال المكتوبة، وإنما يحتاج إلى عملية ترجمة الرموز المكتوبة لفهم المعلومات التي تنقلها. وما يعقِّد عملية الترجمة هو احتواء الكلمات على معاني مختلفة، فلا يمكن بذلك تحديد مقدار الزمن الذي تستغرقه عملية الترجمة هذه. وعكس ذلك تماما، يستطيع عقل الإنسان امتصاص كميات كبيرة ومعقدة من البيانات والمعارف من الصورة وبطريقة أسرع من النص.

تأثير اللاشعور
للاشعور بالغ التأثير في تصرفات الإنسان، إذ يستطيع أن يتدخل ليبلغه بما هو أهم وأولى باهتمامه، وعادة ما يصده عما هو معقد ومُرهِق للذهن، فتكون الغلبة عادة للصورة على حساب النص، وهو ما تؤكده الأبحاث العلمية. فقد أكدت الدراسات أنّ المقالات ذات المحتوى المرئي تحصل على نسبة قراء تتجاوز حد 94 في المائة من تلك التي تحتوي على مجرد نصوص! وتحظى المنشورات الصحفية الموضحة بصور بنسبة مشاهدة تتجاوز 45 بالمائة! هذا الواقع ينعكس أيضا في مواقع التواصل الاجتماعي حيث تلقى المنشورات المصحوبة بصور نسبة مشاهدة وإعجاب وتفاعل تفوق المنشورات التي تكتفي بنصوص. ولعل أبسط مثال لتوضيح هذا التفوق أنّ روائيا نشر مؤخرا صورة غلاف روايته الجديدة في صفحته فحصد المنشور أكثر من 500 إعجابا، وعندما نشر فصلا من الرواية نفسها، لم يتعد الإعجاب نسبة 15! الاختلاف كان ملحوظا عندما نشر اقتباسا وجيزا في شكل صورة حيث تجاوز الإعجاب 50.
وهكذا فالإنسان الذي يعود إلى منزله بعد يوم طويل ومجهد، ويفتح هاتفه الذكي ليتفقد الفايسبوك قبل النوم، سينجذب لاشعوريا نحو المنشورات المرفقة بصور، فهي أسهل للفهم وأكثر متعة من النصوص التي تتطلب تركيزا وجهدا فكريا وزمنا أطول للتحليل والفهم.

تخلف الأدب عن الركب
مع أنَّ شبكات التواصل الاجتماعي حديثة النشأة إلاَّ أنها كانت السباقة للتغير والتكيف مع الواقع الجديد بما في ذلك (تويتر)، عملاق مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، الذي أطلق عام 2006 معتمدا في أصله على النصوص حيث يتواصل المستخدمون برسائل تدعى “تويتس” بمعنى تغريدات. كان ذلك في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2013، عندما أعلن تويتر عن تحديث يضفي مزيدا من الوضوح والجاذبية على شبكته، معطيا الضوء الأخضر للمستخدمين بنشر عينات صور ومقاطع فيديو مع خيار النقر عليها لمشاهدة المزيد، متحررا من جدوله الزمني التقليدي المتمثل في نص لا يتجاوز 140 رمزا.
لكنّ المؤلفات الأدبية – بما في ذلك الرواية – لم تتغير ولم تتكيف مع الواقع الجديد الذي أفرزه عصر السرعة. فما زال المؤلِّف حتى يومنا هذا يتصور أنّ الأعمال الناجحة هي الأكبر حجما، وما زالت الرواية تصدر في مئات الصفحات، وفي حجم المجلدات أحيانا، ما يفسر إلى حد ما التراجع المتزايد للقراءة في العالم منذ مطلع القرن الجاري. صحيفة (نيويورك تايمز) تؤكد ذلك وتقرع ناقوس الخطر: .بين عامي 2003 و2016، انخفض مقدار الوقت اليومي الذي يخصه المواطن الأمريكي العادي للقراءة من 0.36 ساعة إلى 0.29 ساعة.
لقد كان الإنسان في الماضي يملك متسعا من الوقت للقراءة التي كانت تعد وسيلة ترفيه مثلى يملأ بها فراغه. واليوم، وفي عالم السرعة والسوشيال ميديا، لم يعد له وقت ولا صبر لقراءة كتب طويلة، يكتنف بعضها الغموض واللف والدوران، ما يصعب فهمها. وها هي أطنان الكتب تغرق الأسواق والمكتبات ومعارض الكتب تتعدى بكثير الطلب. منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، تؤكد أن مقدار الكتب المنشورة سنويا في العالم 2.2 مليون عنوانا، فضلا عن زخم المؤلفات المنشورة عبر التاريخ، والكتب المتاحة للقراءة والتحميل مجانا في شبكة الإنترنت، ومنشورات صحف إلكترونية متزايدة، ومدونات، وبلوغات وغيرها.

التكيف مع العصر
واليوم، في عصر قطارات “الرصاصة” والوجبات السريعة والرسائل النصية القصيرة، لا مفر من إعادة النظر في الكتابة الأدبية وإعادة صياغتها في قالب جديد يساير وتيرة الحياة المتسارعة. من الخيارات الممكنة تحرير الكتب الأدبية من التضخيم والإطناب والتعقيد واللف والدوران، وبدلا من ذلك، الاختصار والتركيز على الأفكار وتبسيط المعاني. ونظرا لهيمنة الصورة، من الحلول الأخرى الممكنة إعارة الاهتمام إلى (الاقتباسات على الصور) التي تتضمن صفوة الأعمال الأدبية، وتحظى في عصرنا باهتمام بالغ في منابر التواصل الاجتماعي ويسهل ترجمتها إلى كل لغات العالم، تثير انتباه المتلقي بسرعة أكبر، ولا تجهد فكره، ولا تعطل تركيزه مثلما تفعل النصوص الطويلة المعقدة.
من مزايا عصر التكنولوجيا أنه ساهم في تطوير وسائل النقل وتحسين عملية الاتصال والتواصل، وابتكار أجهزة عالية التقنية كالحاسوب المتطور والتلفزيون المقعر، وخدمات البثّ الحي وخدمات الفيديو حسب الطلب وغيرها من الوسائل الترفيهية المصورة التي جذبت اهتمام الإنسان وشغلته عن النصوص المكتوبة، وهو ما يقرع ناقوس الخطر ويدعو الإنسان حتما إلى إعادة النظر في الكتاب بشكله الكلاسيكي والإلكتروني، والسعي لإعادة بعثه في قالب جديد مختصر يركز على المضمون ويواكب عصر السرعة لإنقاذه من موت بطيء يحوم به.

مولود بن زادي – كاتب جزائري بريطانيا